نور الدين زوبدي
انطلاقا من التطورات
المتسارعة التي تحدث وطنيا ودوليا ، و التحولات الكبيرة التي تعرفها العلاقات بين
الدول ، المبنية على المصالح ، و تراجع منظومة القيم أمام تغول اللوبي المالي،
واستحواذه على كل شيء ، وتبخيس دور الأحزاب السياسية والنقابية في تأطير المواطنين
والمواطنات، و جعلها في نظر الغالبية الساحقة من الشعب مجرد دكاكين انتخابية، هل
يمكن أن نتصور معالم العهد الجديد؟ لا احد في الوقت الحاضر قادر على اعطاء التحليل
القريب من المتوقع الصحيح ، لأن المتغيرات كثيرة ، ولا تخضع الى الضبط ، بسبب فراغ
الساحة من اللاعبين ، و سيادة منطق الانتظارية ، بحيث أصبح الكل ينتظر القرار ..،
ومن الصعب معرفة مضمونه و توقيته، مما جعل المشهد ضبابيا وملتبسا، لا يمكن التحقق
من مآله و تمظهراته. بالرغم من الخرجات الإعلامية لبعض
السياسيين وأشباه المحللين ، والتي تهدف إلى اعطاء صور عن القادم من الأيام ، فإن
الأمر لا يعدو أن يكون الا تصورات تحت الطلب، تحاول جهات ما ترويجها لعلها تصبح
حقيقة مقنعة ،قابلة للتطبيق في ظل هذا الوضع الشاذ .
ان المطلوب اليوم وبكل
صراحة، هو استرجاع الثقة في المؤسسات أولا، والانخراط في تصحيح الأوضاع، بالعمل
على اعطاء انطباع جيد يشعر المغاربة بأن الأمور قد تتغير، و أن مصير بلادنا في
ايدينا، ومن الممكن أن نقرر شكله ومضمونه ، إذا اجتمعت الارادة في صوت واحد حر ، و
تخلت الشخصيات الفاسدة عن سياستها المدمرة، التي لا تستحضر في قراءتها ما سيقع في
حال استمرارها على نفس النهج ، و ما سيجلب لها من ويلات وخيمة ، لأنها لا تدرك
التحول الهائل الذي حصل في التواصل ( الثورة الرقمية) ، والقدرة العالية لشباب
اليوم في تبني موقف معين قد يكون مزلزلا . على أية حال ، لحد الساعة اننا نعيش تيها
سياسيا ، بما تحمله كلمة " تيه" من معنى ، فالأحزاب السياسية التي كانت
تحمل هم الشعب ، أصبحت عاجزة عن تقديم البدائل والمواقف ، لدرجة انها فقدت روحها و
جوهرها ، وسارت هياكل فارغة يسكنها المناضلون والمناضلات الشرفاء ، وهم في حيرة من
أنفسهم ومن وضعهم المحرج، ينتظرون ما ستجود به الأيام المقبلة من أحداث و متغيرات .
لا احد ينكر دور
الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية في البناء الديمقراطي والحفاظ على كيان
الدولة، وذلك بالعمل على تطوير حياتنا السياسية ، ووضع المخططات المستقبلية
الكفيلة بتحقيق التقدم والازدهار ، إلا أن العكس هو الذي حصل في بلادنا ، حيث تغول
الرأسمال اللاوطني ، فقضى عليها بتغدية الصراعات فيها ، واستقطاب بعض القيادات
التي انزوت في البحث عن مراكمة الثروات، مفضلة مصلحتها الشخصية عن المصلحة العليا
للوطن، مما جعلنا نعيش أزمة سياسية، ناتجة عن حدوث فراغ قاتل لكل مبادرة ، بفعل
سيادة التذمر والرفض الشعبي العارم ، بحيث يصعب التكهن بما سيقع في السنوات
القادمة من تطورات في المشهد الانتخابي .