نور الدين زوبدي
بحثت كثيرا في أسباب تراجع الأحزاب
السياسية ، وفي تبخيس دورها و شل تأثيرها ، فوجدت أن هناك مستفيدا من هذا الوضع ،
عمل على جعلها في نظر الغالبية العظمى من الشعب تكثلات مصلحية ، همها الوحيد
الاغتناء ومراكمة الثروة ، والتموقع في مراكز ريعية تلبي لهم حاجياتهم المتنوعة .
لكن بإلقاء نظرة خاطفة على درجة التعامل مع ممثليها ( الأحزاب السياسية ) من قبل
المسؤولين ، ستقف على حقيقة لا يمكن إغفالها ، هي أنها مستهدفة من قبل جهات تخطط لنموذج
جديد على المقاس .
كيف يمكن شرح ذلك ؟
إن أكذوبة المجتمع المدني التي رُوج لها أكثر
من اللازم ، كان الهدف منها هو ضرب الأحزاب ، وخلق بديل عنها في أوساط الفئات
المؤهلة للانخراط في العمل السياسي ، من اجل إبعادها و تحييدها ، وبالفعل تمكنوا
من ذلك ، و أصبح الفاعل الجمعوي يُستقبل و تُوجه إليه الدعوة ، و المسؤول الحزبي
يهمش ، ويتم إختزال السياسي في المنتخب ، الذي تلصق به التهم المتعددة ، قصد النيل
منه ، و جعله ضعيف التأثير، وتابعا لإدارة التبخيس ومنفذا لتعليماتها .
و من أكثر تجليات هذه الظاهرة هي
الاحتفالات الرسمية والمناسبات الوطنية ، حيث يُغيب الفاعل السياسي ، ويُستبدل
بالمدني عنوة وعن قصد ، من اجل تعويم التمثيلية و تغيير معناها ، لتصبح مبتذلة
فاقدة للدور التي يجب أن تقوم به، مقابل صنع مشهد متحكم فيه ، لا يعكس الواقع ، ولا
يعبر عن الصورة الحقيقية للمجتمع بكل فئاته .
صحيح ان للمجتمع المدني دور ، و مجال يشتغل
فيه ، و فاعلين بعضهم له غيرة على هذا الوطن ، و به طاقات شبابية هامة ، لم تجد
مكانا لها في الحقل السياسي ، بفعل سيادة البيروقراطية و ثقافة الكرسي الدائم ،
لكن لا يمكن أن يكون بديلا عن الاحزاب السياسية، مهما كانت جودة الصباغة ، ومن
يراهن عليه في تحقيق ما يخطط له خلسة ، فقد أخطأ التقدير ، وساهم في تعطيل الاصلاح
، الذي دعا اليه صاحب الجلالة في خطاب العرش .
إن تهميش ممثلي الاحزاب السياسية يعني
الكثير ، و ينم عن سياسة متبعة تعاند المطلوب فعله ، و ترمي الى خلق التباعد ، و
تصريف المعطى المسوق على صفحات وسائط التواصل الإجتماعي ، المتضمن لخلاصة أصبحت
شبه مسلمة ، وهي أن الأحزاب كلها فاسدة ، ولم يبق منها ما يمكن المراهنة عليه ،
مما يعني ان هناك جهات تعمل في خفاء على تقويض كل خطوة في الإتجاه الصحيح .
وليعلم الذين يخططون ، فإن النتيجة كيف ما
كانت في 2021 ، لن تكون الحل ، بقدر ما ستزيد الوضع إحتقانا ، إذا بقيت الاحزاب
على الحالة التي توجد عليها ، ولم تعد الى وظيفتها ودورها ، وتتخلص من كل ما لحق
بها من تشويه وصور سلبية ، وتكف تلك الجهات المعادية لمصلحة الوطن عن سياستها التدميرية
، و حملاتها المشيطنة للفعل السياسي .