نقطة نظام : نور الدين زوبدي/ صحافي
لا شك أن ادوات الصراع قد تغيرت ، مع ظهور وسائط التواصل الإجتماعي و الصحافة الورقية والالكترونية " المستقلة" ، بحيث صار من السهل تدنيس سمعة اي فاعل سياسي غير مرغوب فيه ، و تسخير كل هذه الامكانيات من اجل شيطنته ، و جعله في نظر الغالبية من الشعب شخصا منبوذا ومكروها ،و أقل إحتراما وتقديرا ، لا يسمع كلامه ، حتى لو كان معبرا عن طموحات الشعب ومنحازا اليه .
الشيطنة نمط جديد ، وشكل من اشكال القمع والتضيق على السياسيين ، تعتمد على تحقير كل مبادرة أو إقتراح نابع من شخص يعتبر خصما او شخصا لايوثق في افعاله ، لبلوغها يتم نشر الأخبار الكاذبة وترويجها بشكل واسع في جميع الوسائط ، وتغطيات متحاملة في اغلب الصحف ، و لا يتم الاكتفاء بهذا القدر ، بل يعطى الامر للتابعين ، لخلق القلاقل والفتن ، و المساهمة في التراجع والإنكماش ، و تغدية الصراعات ، و تحميله ( المشيطن ) مسؤولية كل هذه الأمور ، بالرغم من انه لم يشارك في حدوثها ، لأن الهدف هو عزله ومحاصرته ، و تبخيس كل خطواته الهادفة .
وبالمقابل يوجد نقيض الشيطنة( التلميع ) ، تحسن به الجهات المتحكمة صورة البديل المقترح ، وتعمل على تجاوز هفواته ، والتصفيق لمبادراته وإقتراحاته ، و تسخر كل الابواق والدباب الالكتروني ، من أجل الاشادة بمنجزاته ، قصد المراهنة عليه في الامساك بالقرار والتحكم فيه .
وبين الشيطنة والتلميع ، يبقى الباب مفتوحا للخيار الثالث ، الذي يمثل حقيقة التيار القائد لهذا الصراع ، لكي يمرر ما يشاء من القرارات ، وفي الوقت الذي يراه مناسبا ، دون تسجيل أية معارضة حقيقية أو مقاومة .
إن حملات الشيطنة والتلميع ، في نظري المتواضع ، قد تؤدي الى نتائج عكسية تصب في صالح التيارات العدمية ، التي تتحين الفرص ، و تعمل على تسهيل الترويج مع إضافة عبارات أخرى ، لإعطاء الإنطباع بأن الوضع وصل الى حالة مزرية ، تحتاج الى ردة فعل قوية من الشعب ، قد تكون غير محسوبة العواقب .
لقد افرزت كل هذه الوسائل ، وضعا ملتبسا وضبابيا ، و تحول مفعولها الى كارثة اصابت الفعل السياسي برمته ، وإختفت سلطة التأثير والكلمة المسموعة،وعم التشكيك والتبخيس، وصار الكل في نفس الخانة ( فاسد ومصلحي ) ، مما جعلها أدوات تخريبية ، تقضي على الفاعل والمفعول به .
لذا اصبح من اللازم ، مراجعة اسلوب الصراع من طرف الجميع ، والابتعاد عن الشيطنة كوسيلة للتخلص من الخصم السياسي ، و التوقف عن حملات التلميع المشوهة ، و المستبلدة للمتلقي والمتابع ، و إعتماد الموضوعية على الأقل في حدودها الدنيا ، لمعالجة اي موضوع ، كي نسترجع المصداقية الضائعة ، و حتى لا نفقد ما تبقى من الأمل .
الكاريزمية المغشوشة
لا يمكن في الوقت الحالي أن نتجاوز ما راكمه الجيل القديم ، و لا يمكن أن نتنكر للطاقات الواعدة التي تعج بها الاحزاب والمنظمات النقابية وفعاليات المجمتع المدني ، هذا هو المعطى المهم الذي يجب أن ننطلق منه . فقراءة التاريخ تدل بشكل واضح على الترابط والانسجام بين الماضي والحاضر ، وان ما نعيشه اليوم هو حصيلة عمل و اجتهاد الجيل القديم ، وليس وليد اللحظة او العقد الأخير .
لا شك ان الظروف تلعب دورا حاسما في بروز القيادات "الكارزمية "، التي تجلب الانظار و تفتن الكثير ، وتجعل البعض يصدق دون تمعن أو تدبر ، فقط لانها صادرة من عند الزعيم الذي لا يخطئ ، وإذا بحثت في الامور ، تجد ان هناك جهات ما لها المصلحة في نبوغ تلك الهامة ، قصد توظيفها سلبيا وإيجابيا .
التوظيف السلبي :
يتجلى في كبح وفرملة المسيرة ، حيث تناط بمهمة الزعيم ، العمل على ابعاد كل القيادات النظيفة التي لها هدف واضح ، وتعمل بصدق على تجسيده على ارض الواقع ، إن فسح لها المجال ، لذلك فاول إنجاز يقدمه هو ابعادها عن سلطة القرار او على الاقل خنقها ، وسلب ما امكن من سلط التاثير لديها ، التي توظفها في إستقطاب القواعد ،وفي تمرير القرارات الحاسمة .
التوظيف الأيجابي :
ينطلق التوظيف الإيجابي من شخصنة الزعيم ، و إعطائه صلاحيات ليست لغيره ، و قدرة على فك وحلحلة المشاكل والمعضلات لا تتصور ، حثى يصير المخاطب الوحيد ، ويتم عزل اغلب القيادات ، التي تصبح في وضع صعب ، وغير قادرة على معاكسته في قرارته ، بفعل التجييش والتلميع المبالغ فيه ، وخوفا من غضب القواعد ، الذين خدعوا بهالة القائد الكاريزمي ، وبذلك تسيطر الجهات المعلومة على القرار ، و تتحكم في الكيان برمته .
في بعض الاحزاب اليسارية ، ساد طرح جديد للقيادة ، وهو ما سمي بالقيادة الجماعية ، الذي كان جوابا على الكاريزمية المغشوشة ، إلا انها لم تنجح بدورها ، بسبب صراعات الكاريزميات الطامحة الى التفرد والتميز ، مما عجل بزوال هذه النمادج ، وعودة الزعامات الجديدة التي لم تتمكن لحد الساعة من تحقيق لو جزء يسير من مكتسبات القيادات التاريخية ، بفعل عملية التبخيس الممنهجة ، ومخطط التذمير و التفرد بالقرار ، وعزل المواطن عن السياسة ، وجعله يفكر في ذاته فقط لا غير .
صحيح ان هناك رجالا ونساءا ، قدموا الكثير لهذا البلد ، ولم يسجل عليهم انهم كانوا يبحثون عن مصالح شخصية ، و لم تلطخ اياديهم ، منهم من ضحى بروحه وعائلته ، ومنهم من عاش في جحيم ، ومنهم من لازال يؤدي ضريبة النضال ، ومع ذلك لم يعترف احدا لهم ، بل إختفى أثرهم من سجل الكبار .
إرسال تعليق