بقلم : نورالدين زوبدي
لم أفهم حقًا موجة الغضب التي أثارها تصريح رئيس الغرفة الفلاحية بجهة بني ملال–خنيفرة، حين طالب بتعليق قرار حذف الرسوم الجمركية على استيراد زيت الزيتون من تونس. البعض انتفض وكأن الرجل دعا إلى تجويع المواطنين أو محاربة القدرة الشرائية! لكن عند التمعن في جوهر القضية، يتضح أن المسألة أعمق بكثير من مجرد صراع بين المستورد والمستهلك.
هل نغضّ الطرف عن واقع آلاف الفلاحين الذين يعيشون من مداخيل الزيتون، خصوصًا في مناطق مثل سهل تادلة والحوز؟ أليست هذه الشجرة المباركة آخر أمل تبقى للفلاح بعد أن أتلف الجفاف والمسارات الحكومية الخاطئة جل الزراعات الأخرى؟ كيف يمكن تبرير إغراق السوق بزيت مستورد من بلد يحتضن أطروحات معادية لوحدتنا الترابية، وفي نفس الوقت نطالب الفلاح المغربي بالمنافسة العادلة؟ أي عدل هذا؟
وليكن في علم هؤلاء، أن أشجار الزيتون صارت الأمل الوحيد المتبقي للفلاحين في سهل تادلة، وهي التي ستحافظ على بقاء الفلاح في أرضه، وتضمن استمرارية المعاصر المحلية في نشاطها وخدماتها. هؤلاء لا يدافعون فقط عن منتوج، بل عن آخر ما تبقى من شريان حياة اقتصادي، يُراد اليوم تدميره بضغوطات الاستيراد العشوائي. إنهم ببساطة يستهدفون اقتصاد جهة بأكملها.
أما الذين يحاولون اختزال النقاش واتهام التصريح بأنه مجرد دفاع عن مصالح شخصية، فنقول لهم بوضوح: حينما تلتقي مصلحة المسؤول مع مصالح آلاف الفلاحين، فإنها تتحول إلى مصلحة عامة لا يمكن لأحد أن ينكر مشروعيتها أو يُقنع الناس بعكسها. فالمسؤول هنا لا يمثل نفسه، بل يمثل المهنيين الذين يئنون تحت وطأة قرارات حكومية مجحفة. أما المتضرر الحقيقي من سياسة الاستيراد فهو المواطن المنتج، لا المستهلك الذي يُستخدم كذريعة لتبرير فشل التدبير.
الواقع أن من يدافعون اليوم عن "قدرة شرائية" مفترضة، يتجاهلون أن نفس المواطنين هم أنفسهم فلاحون أو أبناء فلاحين، يستفيدون من مداخيل الزيتون، سواء عبر تسويق المنتوج أو من خلال تشغيل معاصر تقليدية تشكل ركيزة اقتصادية محلية.
وإذا كنا فعلاً ندافع عن المستهلك، فلتقم الحكومة برفع الرسوم الجمركية عن جميع المواد الغذائية الأساسية، حتى ينعم المواطن فعلًا بعيش كريم وتتحقق العدالة الاجتماعية التي نسمع عنها كثيرًا ولا نراها. أما أن يُستهدف منتوج وحيد يعيش منه ملايين الفلاحين، بينما تُحمى مصالح لوبيات أخرى في قطاعات مختلفة، فذلك يثير أكثر من علامة استفهام. يبدو أن الفلاح في هذا البلد ما يزال الحلقة الأضعف، لا من يدافع عن حقوقه، ولا من يلتفت لمأساته.
ثم كيف نفسر صمت هؤلاء حين بدأ بعض المستوردين بخلط الزيت المستورد بالزيت المغربي، مما يُهدد بجريمة غش غذائي قد تضرب ثقة المواطن في جودة زيت بلده؟
الانتقادات التي طالت موقف المهنيين تعكس توظيفًا سياسيًا سيئًا، يضرب مصالح الجهة عرض الحائط. الدفاع عن الفلاح ليس ترفًا ولا مزايدة، بل ضرورة وجودية في ظل أزمة الجفاف وقرارات حكومية أنهكت القطاع.
في النهاية، لسنا ضد المستهلك، بل ضد إفقار من ينتج من أجل المستهلك. لسنا ضد الانفتاح، بل ضد التهور على حساب أمننا الغذائي والسيادة الاقتصادية لملايين من أبناء هذا البلد.