بقلم: نورالدين زوبدي
إن إشراك مغاربة العالم في الانتخابات المقبلة لم يعد مجرد مطلب رمزي، بل ضرورة وطنية تمليها اعتبارات الهوية والمواطنة. فتفعيل هذا الحق يساهم أولاً في ترسيخ الانتماء للوطن الأم، وثانياً يضمن لهؤلاء المغاربة فرصة اختيار من يمثلهم داخل المؤسسات المنتخبة، باعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من النسيج الوطني.
ويُعد عدد أفراد الجالية المغربية المنتشرة في مختلف أنحاء العالم رقماً لا يمكن الاستهانة به، إذ يفوق خمسة ملايين مغربي ومغربية، أي ما يُعادل أكثر من 12% من إجمالي سكان المغرب. هذا الحجم الديمغرافي الهام يجعل من مغاربة الخارج قوة انتخابية معتبرة، وقاعدة مواطَنة يجب احترامها وإدماجها، لا تهميشها أو تجاهلها.
فمن غير المقبول أن تبقى هذه الفئة الحيوية خارج دائرة الفعل السياسي، خصوصاً وأنها باتت على تماس مباشر مع نماذج ديمقراطية راسخة في دول الإقامة. كما أن مشاركتهم قد تفتح آفاقاً واسعة أمام الدبلوماسية البرلمانية، نظراً لما يتمتعون به من علاقات ومواقع متميزة في بلدانهم الثانية.
ولا يمكن في هذا السياق تجاهل البعد الدستوري لهذا الحق؛ فدستور المملكة المغربية لسنة 2011 نصّ بشكل واضح في فصله السابع عشر على حق المغاربة المقيمين بالخارج في المشاركة في الحياة السياسية، بما في ذلك التصويت والترشح في الانتخابات. غير أن هذا النص، رغم وضوحه، لم يُفعّل بعد بالشكل الكافي، ما يستدعي إرادة سياسية حقيقية للانتقال من التنصيص إلى التفعيل، خاصة وأن هذا التأجيل المستمر يُضعف الثقة بين الجالية ومؤسسات وطنها الأم.
وفي هذا الاتجاه، برزت مبادرة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي انتصر علنًا لقضية مغاربة العالم، واعتبرها أولوية ديمقراطية ووطنية في مذكرة رسمية قدّمها ضمن المشاورات حول الإعداد للانتخابات. وخلال الندوة الصحافية المنظمة بالمقر المركزي للحزب، كانت مرافعة الكاتب الأول إدريس لشكر قوية وموثّقة، حملت كل الحجج القانونية والدستورية والسياسية، واستحضرت التجارب الدولية الناجحة، مُؤكدة أن الوقت قد حان لتفعيل هذا الحق، دون مزيد من التردد أو المبررات التقنية والسياسية.
ورغم ما يحمله إشراك مغاربة العالم من فوائد سياسية ووطنية، وما يستند إليه من مشروعية دستورية، فإن استمرار تغييبهم عن العملية الانتخابية يظل أمراً غير معقول. فكيف يُعقل أن يُقصى جزء كبير من الشعب المغربي – يناهز خمسة ملايين نسمة – من حقه في المشاركة السياسية؟ إن تمكين هذه الفئة من ممارسة حقها الدستوري قد يشكل خطوة مهمة في اتجاه تعزيز الثقة في المسار الديمقراطي، وقد يُساهم أيضاً في التخفيف من حدة العزوف السياسي، عبر توسيع قاعدة المشاركة وإعطاء صورة جديدة ومُشرفة لهذه الانتخابات، وطنياً ودولياً.
بل إن إشراك مغاربة العالم في الاستحقاقات المقبلة يمكن أن يشكّل حدثاً نوعياً غير مسبوق في الحياة السياسية الوطنية، من خلال توسيع دائرة التنافس الحزبي إلى خارج الحدود. فدخول الجالية على خط المنافسة الانتخابية قد يُخرج المشهد من رتابته المعتادة، ويمنحه زخماً سياسياً وشعبياً يغطّي على كثير من الإخفاقات التي طبعت التجربة السياسية في السنوات الأخيرة، بفعل ضعف الأداء والفراغ في الخطاب والممارسة.
كما أن نقل أطوار هذه المحطة الانتخابية إلى مختلف بلدان الإقامة، سيمنحها إشعاعاً غير مسبوق، ويُخرجها من طابعها المحلي إلى أفق دولي واسع، بما يعزز صورة المغرب كبلد ديمقراطي يثمّن طاقاته أينما وُجدت، ويؤمن بتعدد روافده المجتمعية داخل الوطن وخارجه.
إنهم سفراء المغرب المنتخبون، ووجهٌ ناصع للمملكة في الخارج، ودرس حي في الممارسة الديمقراطية التمثيلية التي وجب الاستعداد لها بجدية. ونحن نعيش اليوم لحظة دقيقة تتسم بالمشاورات حول الإعداد للانتخابات المقبلة، لحظة سيسجل فيها التاريخ بوضوح من كان في صف تمكينهم من هذا الحق، ومن اختار التغاضي عنه بحجة أن أصواتهم "غير مضمونة"، مفضلاً منطق الحسابات الانتخابية الضيقة على منطق المصلحة الوطنية العليا.
مشاركة مغاربة العالم في الاستحقاقات المقبلة تشكل تحدياً يجب رفعه بكل جدية، رغم ما يحيط به من صعوبات تنظيمية وقانونية. فهناك تجارب دولية ناجحة في هذا المجال يمكن الاستفادة منها، ولا يوجد ما يبرر الاستمرار في تأجيل هذا المطلب المشروع، خاصة وأن عامل الوقت لم يعد في صالح القطيعة.
لقد أثبت أبناء الجالية المغربية كفاءتهم في ميادين عدة، واقتحموا مجالات كانت حكراً على النخب في الدول المتقدمة، وذلك بفضل الطموح والمثابرة. ومن ثم، فإن المغرب مطالب اليوم بأن يستثمر هذا الرصيد البشري، ويعزز ارتباطه بالأجيال الصاعدة من أبناء المهجر، لضمان استمرار هذا الرابط الوجداني والسياسي، وعدم انقطاعه لأي سبب كان.