بقلم: محمد بوزيان
في نصّه الطريف "هل تقضي قنافذ وزير الصحة على عقارب الفقيه بن صالح؟"، يأخذنا كاتب المقال نورالدين زوبدي في جولة ذكية عبر دروب العبث اليومي، مستعرضًا ظاهرة حقيقية بخطورة لسعة العقرب، لكنه يعالجها بقفاز من السخرية، وبمشرط ناقد يلمع تحت ضوء الابتكار اللاذع.
منذ افتتاحيته، يرسم زوبدي مشهدًا دراميًا — مدينة تُداهمها العقارب ليلًا كأنها تنتفض ضد سكانها. لكنه، على غير المتوقع، لا يستدعي نبرة مأساوية ولا خطابات شعبوية، بل يلجأ إلى "أدب المفارقة": الواقع جدي، لكن التعليق عليه هزلي.
فها هو المواطن في الفقيه-بن-صالح يقلب حذاءه بحذر، لا خوفًا من حشرة، بل كأنه يتفقد جيب السياسة المحلية الفارغ.
حين تصبح القنافذ سياسة عمومية
هنا، تأتي القفزة العبقرية للنص: اقتراح وزير الصحة باللجوء إلى القنافذ لمحاربة العقارب. يلتقط زوبدي الفكرة، لا ليسخر منها فقط، بل ليحوّلها إلى مشروع متكامل. "خطة قنفذية استعجالية"، لا تقلّ تنظيماً عن أي مشروع حكومي معاصر: مستودع بلدي لتربية القنافذ، مراقبة بيطرية، ميزانية خاصة، دفتر تحملات... بل وحتى قنفذ "يُصفر في صمت"، بديلاً عن البغل "الهزيل" الذي "ينهق في صمت".
إنها مفارقة نادرة، حيث يُقارن القنفذ، ذاك الكائن المتواضع، بمشاريع الدولة الضخمة التي لا تؤتي أكلها.
الأحجبة الذكية: البيروقراطية في ثوب روحاني
لا يتوقف زوبدي عند الحل البيئي، بل يتجه نحو التراث الروحي. يتساءل بجدية ساخرة: لمَ لا نُفعّل الأحجبة؟ ولم لا تكون هناك "صفقة عمومية" لإنتاجها؟ لكن، وبحرفية المفكر الساخر، يعود ليتساءل:
من سيراقب الحبر؟
من سيتأكد من صحة "السمخ"؟
وهل ستكون الأحجبة مطبوعة أم مكتوبة يدويًا؟
الكاتب هنا لا يسخر من التراث، بل من محاولات الدولة لقولبته في قالب إداري لا يحتمل تلك الروحانية المفتوحة.
نحو قنفذ يحمل حجابًا: استعارة عبثية لواقع معقّد
ينتهي النص بصورة تجمع بين القنفذ والمبيد والحجاب في كائن هجين واحد. هذه الصورة الرمزية تختصر عبثية الحلول المتداخلة: بيولوجية، كيميائية، روحانية، لكنها جميعًا تفشل إن لم تُسند بوعي جماعي وإصلاح للبنية التحتية.
زوبدي لا يكتفي بجلد المجلس البلدي أو السخرية من وزارة الصحة. هو يوجه سهام نقده كذلك إلى المجتمع الذي لا يزال — أحيانًا — ينتظر الأحجبة بدل حمل المكنسة، وينتظر "المبيد" بدل تنظيف البيئة.
نص نورالدين زوبدي ليس مجرد مقال عن العقارب والقنافذ. هو صرخة ناعمة تُطلقها الضحكة في وجه الرداءة، ومراوغة أدبية تمزج بين التسلية والتأمل.
إنه دعوة لكي نعيد التفكير في حلولنا، في إدارتنا، وفي نظرتنا إلى التحديات. فربما — كما يقول — لا نحتاج لا وزيرًا، ولا فقيهًا، بل فقط قليلًا من الوعي، والنظافة، والصدق.