جاري تحميل ... الموقع الرسمي لشبكة بني ملال الإخبارية

الموقع الرسمي لشبكة بني ملال الإخبارية

شبكة بني ملال الاخبارية - بني ملال نيوز - الخبر في الحين ، جرأة و مصداقية في تناول الخبر

إعلان الرئيسية






 

أخر الأخبار

إعلان في أعلي التدوينة

 




محمد مبروك


 جوهرة الأطلس، تتوشّح الحزن وتودّع قطعة من روحها... ساقية "تمكنونت"، التي جفّت مياهها لأول مرة في التاريخ، تُعلن بصمتٍ أن الطبيعة لم تعد كما كانت، وأن الأرض تصرخ من الألم.




في قلب المدينة، كانت "تمكنونت" أكثر من مجرد ساقية. كانت ذاكرة مائية، وروحًا تسري بين الأحياء. منبعها من سفوح جبل تاصميت كان رمزًا للعطاء، لا يعرف الخذلان. مياهها العذبة كانت تسقي الحقول، وتروي العطش، وتمنح الحياة لمدينة بأكملها. على جنباتها تربى الأطفال، وعلى خريرها تهادت أحلام الكبار.


لكن هذا العام، خذلت السماء الأرض. جفّت "تمكنونت"، ولم تعد الساقية إلا مجرىً يابسًا، ترتمي فيه الحجارة كجثثٍ بلا نبض. السكان وقفوا مذهولين أمام هذا المشهد غير المسبوق. كبار السن بكوا كما يُبكى على فقيد، والأجيال الجديدة تحاول أن تتخيّل كيف كان الماء هنا ذات زمن.


وراء هذا الجفاف، لا تكمن فقط سنوات عجاف من قلة التساقطات، بل واقعٌ بيئي أكثر قسوة. التغيرات المناخية قلبت موازين الفصول، وعبثت بنظام الطبيعة. الاحتباس الحراري، تراجع الثلوج على قمم الأطلس، قلة الأمطار وتوالي سنوات الجفاف... كلها عوامل ساهمت في نضوب منبع "تمكنونت"، وغيرها من العيون والأنهار التي كانت يوماً شريانًا للحياة.


التقارير البيئية تشير إلى أن المغرب، وخاصة المناطق الجبلية، يشهد تراجعًا سنويًا في الموارد المائية. مياه الجوف تستنزف، والمنابع التقليدية التي كانت دائمة الجريان بدأت تذبل. و"تمكنونت" ليست إلا واحدة من ضحايا هذا التحوّل المناخي العنيف.


ما يحدث ليس مجرد مأساة محلية، بل جرس إنذار عالمي. ما حدث لعين "تمكنونت" قد يحدث غدًا لعيون أخرى، لمدن أخرى، لشعوب بأكملها، إن لم نتحرك جميعًا لمواجهة التغير المناخي بخطط واقعية ومستعجلة.


ورغم كل شيء، لا يزال الأمل حيًا. ربما تعود الأمطار، ربما تثمر الجهود البيئية، ربما تستفيق السياسات من سباتها، وربما... تعود "تمكنونت" لتجري من جديد.


لكن حتى يحين ذلك، سنظل نرثيك يا ساقيتنا... ونحمل ذكراك في قلوبنا، كما تُحمل الذكريات في دفاتر الزمن.

تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال